تأسّست بغداد في عام ٧٦٢ كعاصمة لسلالة العباسيين (٧٤٩ـ١٢٥٨). تطوّر العراق ليصبح مركزًا للتجارة الدولية مع وجود اتصالات سياسية مع بلاطات الأباطرة الصينيين والبيزنطيين وشارلمان. ازدهرت الثقافة والعلوم مع حركة ترجمة الكتب القديمة والإنجازات المستدامة في مجالات الجغرافيا والفلسفة والطبّ والفلك والرياضيات. تُعتبر التطوّرات الثقافية والعلمية في تلك الفترة ذات أهمية حاسمة لتاريخ أوربا أيضًا. وضع تدمير المغول لبغداد في عام ١٢٥٨ نهايةً لحكم العبّاسيين.
تعتبر مدينة سامرّاء في العراق التي تقع على مسافة حوالي ١٢٥ كم شمال بغداد واحدةً من الأماكن البارزة في علم الآثار الإسلامية وتاريخ الفنّ الإسلامي. فقد كانت بين عامي ٨٣٦ و٨٩٢ بمثابة مقر حكمٍ مؤقّتٍ للخلفاء العبّاسيين حيث حلّت محل العاصمة الأصلية بغداد في هذه الفترة.
تطوّرت سامرّاء، أو كما كانت تدعى رسميًا (سُرّ من رأى) في مرحلتين إنشائيتين مهمتين كمجمّع حضري عملاق بلغت مساحته ١٥٠ كيلومترًا مربّعًا امتد على طول نهر دجلة. يقع قصر الخليفة الذي تبلغ مساحته ١٧٥ هكتارًا في مركز المدينة مطلًّا على نهر دجلة، ويتألّف من سلسلةٍ من الباحات وقاعات العرش والغرف السكنية مع حدائق واسعة وحظائر صيد وملاعب مخصّصة لممارسة لعبة الصولجان (البولو) بالإضافة إلى مضامير سباق الخيل. تتضّح أبعاد المشاريع العمرانية باستخدام المسجد الكبير كمثال، حيث يُعتقد أن المبنى كان يستوعب ١٠٠٠٠٠شخصٍ وكانت مساحته تساوي مساحة ملعبين ونصف من ملاعب كرة القدم ومحاطًا بسورٍ أبعاده ٣٧٦ x ٤٤٤م.
سامرّاء ـ عاصمة مؤقّتة لإمبراطورية عالمية ـ مُدرجةٌ على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.
أُجريت أولى أعمال التنقيب المنهجية في موقعٍ إسلامي في سامرّاء بين عامي ١٩١١ و١٩١٣ تحت إشراف مدير المتحف فريدريخ سارِه (١٨٦٥ـ١٩٤٥) والآثاري إرنست هِرتسفِلد (١٨٧٩ـ١٩٤٨).
قام إرنست هِرتسفِلد كآثاري بإدارة أعمال التنقيب في الخرائب الأثرية البالغة مساحتها ٥٠ كيلومترًا مربّعًا ممثّلة بذلك أحد أكبر الحقول الأثرية في العالم. في حين تولّى سكرتير التنقيبات شاؤول بن سلمان (المتوفّى عام ١٩٢٣) من مدينة الحلّة في العراق مسؤولية الإدارة اللوجستية والمالية لهذا المشروع الكبير مستخدمًا لذلك الغرض شبكات معارفه المحلّية اللازمة.
نسّق هِرتسفِلد عمل ما يصل إلى ٣٠٠ عامل تنقيبات في بعض الأحيان، شكّل قسمٌ منهم عمالةً مدرّبةً من الحلّة في حين كان العمّال غير المدرّبين من أهالي المنطقة. قام هِرتسفِلد بتسجيل أجور العمال في دفاتر الحسابات والتقط صورًا لبعض منهم.
"إرنست هِرتسفِلد هو المصوّر الذي التقط جميع صور التنقيب. تدمغ رؤيته للبشر واللقى والعمارة والمشهد الطبيعي أعمال توثيق التنقيب بطابعها المميّز. بصفته مصوّرًا، لا يمكن رؤيته عادةً في الصور، هنا في هذه الصورة نرى خياله فقط."
يبدو أن توثيق عمل التنقيب اليومي كان يشكّل محور اهتمام هِرتسفِلد. فإلى جانب صور العمارة واللقى فقد قام أيضًا بتوثيق العمل البدني الشاق لعاملات وعمّال التنقيب في بعض الصور.
لم يقم هِرتسفِلد بتنظيم العمل فحسب، بل قام أيضًا لوحده بأعمال التصوير والرسم وتنظيم سجلات التنقيب واللقى. يتطلّب القيام بهذه الأعمال في يومنا هذا وحتى في التنقيبات المهمة المماثلة في ذلك الزمن الاستعانة بفريقٍ كاملٍ.
ماذا يحدث بالفعل خلف الكواليس في المتحف؟ يميط المعرض الخاص "إعادة اكتشاف سامرّاء ـ رؤية جديدة لصور التنقيب في قصور الخليفة" اللثام عن نظرةٍ شخصيةٍ للغاية للعاملات والعاملين في المتحف فيما يخصّ العمل المتحفي