Aleppo, al-Bahramiyya mosqueAleppo, al-Bahramiyya mosque, prayer hall entrance façade © Stefan Weber (CC-BY-NC-SA)

ذكريات من حلب: سامي بهرمي

ذكريات جامع البهرمية

قصةُ روحانية وتعبّد

عن السلسلة

نعرض لكم في هذه السلسلة قصصًا شخصية لأماكن (معالم تاريخية) في مدينة حلب، يرويها أشخاص تربطهم علاقة وطيدة بالمكان. تهدف هذه السلسلة إلى تسليط الضوء على الجانب الغير المادي للأماكن التراثية في حلب، وإلى إيصال فكرة إدراج الذاكرة في إعادة تصور وإعادة بناء مكان من خلال سكّانه.

تمثّل هذه المساهمات جزءًا من الجهود المشتركة التي يبذلها مشروع خارطة التراث السوري التفاعلية مع مشروع دليل تراث حلب بهدف توثيق تاريخ وعمارة معالم تاريخية في مدينة حلب.

رواية مؤثرة وشخصية للغاية عن علاقة رجل بمسجد محبوب دمرته الحرب. هذه الذكرى هي تكريم مؤثر لمكان يحمل معنى عميقًا للراوي سامي بهرمي والمجتمع الحلبي.

ارتباط عائلي: اكتشاف تاريخ المسجد

في سن العشرين ، بدأ فصل جديد في حياة سامي بهرمي ...

.. عندما اصطحبه عمه رضوان بهرمي إلى جامع البهرمية ووطّد علاقة شخصية بالجامع.

"تعرفت على جامع البهرمية في سن العشرين عندما اصطحبني عمي رضوان بهرمي إلى هناك ، ولم أكن أعلم في ذلك الوقت أن جدي الأكبر هو من بناه! بدأت علاقتي بهذا المكان منذ ذلك الحين واستمرت لمدّة سبع سنوات ".

© Alaaeddin Haddad (CC-BY-NC-ND)
Aleppo, al-Bahramiyya mosque © Alaaeddin Haddad (CC-BY-NC-ND)

مكانٌ للسكينة: الجو الروحي لجامع البهرمية

أمضى سامي سبع سنوات في زيارة المسجد كل يوم جمعة للصلاة، حيث كان يصل قبل ساعة أو ساعتين من وقت الصلاة لامتصاص جو المكان الفريد الذي يبلغ عمره ما يقارب ٥٠٠ عام .

عليك فقط إغلاق عينيك لتدخل في حالة روحانية كاملة

كنت أزور الجامع بشكل دوري كل يوم جمعة لأداء الصلاة. كنت أذهب قبل وقت الصلاة بساعة أو ساعتين وأجلس في مكان يعود تاريخه إلى ما بين ٤٠٠ إلى ٥٠٠ عام. رائحة النظافة التي تنبعث من المكان مميزة للغاية حيث يوجد ثلاثة خدم يعملون باستمرار للحفاظ على نظافة الجامع وترتيبه. الهواء نقي والجدران باردة في الصيف. لها خصوصية فريدة من نوعها. صوت المؤذن أبو جلال في جامع البهرمية أصيل وصادق وهو يرفع الأذان. عليك فقط أن تغمض عينيك لتسمع صوته وتغوص بعمق في روحك، وتعود إلى المكان، في المصلّى الساحر الجميل، وأنت تدخل في حالة روحانية كاملة ".

الرجل العجوز في القبلية: طقوس التعبّد

على الرغم من أن القبلية يجب أن تكون خاليةً قبل وقت الصلاة، إلا أن سامي لاحظ رجلاً عجوزًا يقرأ القرآن بهدوء كل يوم جمعة.

"أذكر أني عند وصولي للجامع قبل موعد الصلاة كنت آخذ المفتاح من الخادم الذي كان يقف عادة عند البوابة بجانب سبيل الماء و يقوم بغسيل أرضية الجامع والسوق خارجه. أفتح باب القبلية وأدخل، حيث أرى على يميني وعند النافذة رجلًا عجوزًا يجلس أمامه القرآن وبجانبه زجاجة ماء يقرأ بهدوء. ولأني فتحت الباب المقفول بمفتاح الخادم كان من المفروض أن تكون القبلية خاليةً من المصلّين، ولكن هذه الحادثة تكررت عدة مراتٍ و كل مرة كنت أجد العجوز بمكانه. استغربت كوني دائمًا أحضر قبل موعد الصلاة بساعة وأفتح الباب وأنا أول الواصلين إليه والعجوز بالداخل ومقفل الباب عليه، فسألت الخادم عنه فأجاب بأنه يدخل الجامع يوم الجمعة عند صلاة الصبح ويبقى فيه يقرأ القرآن حتى صلاة الظهر وبعدها يذهب لبيته، هذه هي طريقة صلاته الخاصة."

© Museum für Islamische Kunst, Staatliche Museen zu Berlin, Sammlung Stefan Weber (CC-BY-NC-SA)
Aleppo, al-Bahramiyya mosque © Museum für Islamische Kunst, Staatliche Museen zu Berlin, collection Stefan Weber (CC-BY-NC-SA)

جمال صحن الجامع والحديقة: ضريح بهرام باشا ورضوان باشا

كان مشهد الصحن وحديقته مع ضريح بناة الجامع كمعلمٍ بارزٍ متعةً للناظرين . سامي يتذكّر صلته مع بناة الجامع.  

" للجامع صحنٌ جميل، لكن حديقته أجمل.

في الجهة الجنوبية الشرقية ضريح باني الجامع بهرام باشا وشقيقه رضوان باشا وهو بناءٌ في غاية الجمال والروعة. للحديقة بابان (مقفلان) أحدهما من الشرق من حارة المدرسة الأحمدية حيث يمكن رؤية القبرين، والباب الآخر من الغرب يوصل إلى صحن الجامع. لم أتمكن قبل الحرب من زيارة ضريح جدّنا الأكبر وتلاوة بعض السور القرآنية على روحه من الداخل، لأن خادم الجامع لم يسمح لي أبدًا بالدخول."

كان للحرب السورية أثر مدمّر على الجامع ...

... فقد صعّبت حتى دخول المبنى على سامي الذي شهد الدمار بشكل مباشر وأمل أن تبدأ أعمال الترميم قريبًا.

" من المفارقات التي حدثت الآن بسبب الحرب أنني استطعت دخوله لأول مرة متجاوزًا تلال أنقاض المحلات المتهدّمة في منتصف سوق باب أنطاكية وخاني التتن الكبير والصغير. لقد كان الدمار كبيرًا وارتفاع الأنقاض يقارب طول قامة الإنسان. بعد تجاوز الأنقاض وصلنا إلى باب الجامع فكان مغلقاً، ثم توجّهت للجهة الغربية حيث هناك بابان آخران للجامع كانا أيضًا مغلقين.. شاهدت جدار الحديقة المرتفع الذي تهدّم ومن خلال أنقاضه دخلت الحديقة وتوجهت شرقًا لمكان الضريح حيث رأيت شواهد القبور قد أزيلت تماماَ ولم يعد لها أي أثر سوى الأعمدة المحيطة بها."

© Alaaeddin Haddad (CC-BY-NC-ND)
Aleppo, al-Bahramiyya mosque © Alaaeddin Haddad (CC-BY-NC-ND)

إعادة البناء والترميم: تحديات حلب بعد الحرب

إن إعادة الجامع إلى بهائه السابق ستمثّل عملًا مهمًّا ...

... حتى إصلاح ركيزة واحدة سيكلف مبلغًا معتبرًا من المال. على الرغم من هذا ، ظل سامي يأمل في إعادة ترميم المسجد يومًا ما.

"في بداية عام 2018 رغبت بإعادة بناء جدار الحديقة المهدّم، وهو عبارة عن جدارٍ بطول ثمانية أمتار وارتفاع ثلاثة أمتار ورصدت مبلغ 400 ألف ليرة لذلك، إلا أن نتيجة دراسة التكلفة وصلت لأكثر من مليوني ليرة فلم يكن باستطاعتي تحمل نفقاته." 

"في عام ١٨٢٢ ضرب زلزال كبير مدينة حلب ...

وتهدّمت قبة الجامع بالكامل. مرت أربعون سنة حتى بُنيت قبةٌ بديلة، وتم تغطية كلفة بنائها من بيع الرصاص العازل الذي كان يغطّي القبة القديمة، ما بين عامي ١٨٦٠ و١٨٦٤ حيث تمّ بناء أربعة ركائز تحمل القبة الجديدة ولكن بقطر أصغر من القديمة. اليوم بعد الحرب والضرر الكبير الذي أصاب القبلية والقبّة والمئذنة لست متفائلاً بأنها ستعود كما كانت، بسبب عدم توفّر التمويل المناسب واليد العاملة الخبيرة." 

© Christine Delpal (CC-BY-NC-ND)Prayer hall entrance façade, al-Bahramiyya mosque © Christine Delpal (CC-BY-NC-ND)

جهود متبرّع: ترميم الرواق

جهود أحد المتبرّعين لترميم رواق الجامع بقيت مصدر إلهام ...

.. لأفراد آخرين للمساهمة في الحفاظ على المعالم التاريخية في حلب وترميمها.

"كان رواق الجامع مهددًا بالانهيار الكامل بسبب الضرر الذي أصاب إحدى الركائز الخارجية، والتي كان وضعها حرجاً إذا بقيت بدون إصلاح وترميم، حتى قام عبدو كنو بالتبرّع لتدعيمها وإصلاحها بجهوده الفردية. قُدرت تكاليف ترميم وإصلاح ركيزة واحدة ب 700 ألف ليرة سورية ...

...فكيف ستكون التكلفة الكاملة لترميم القبلية؟" 

Jamiʿ al-Bahramiyya © Stefan Knost (CC-BY-NC-ND)
Aleppo, al-Bahramiyya mosque © Stefan Knost (CC-BY-NC-ND)

أمنية القلب: ترميم الجامع للأجيال القادمة

"زرت الجامع أكثر من عشرين مرةً منذ توفر الإمكانية للدخول إلى حلب القديمة، وفي كلّ مرةٍ أزوره وكأنها المرة الأولى، وأحزن عليه وكأنني أراه مدمراً للمرة الأولى، والصلاة فيه على ما يبدو ليست ممكنةً في الأمد القريب. أرغب بأن يبدأ العمل والترميم فيه أسوةً بالعمل الجاري في الكنائس والجوامع الأخرى، وأن يصلي الناس مرة أخرى في تلك الأماكن التي لها ذكرى لدى مجتمعنا الحلبي. أتمنى أن أعود للصلاة يوم الجمعة تحت قبّة قبلية جامع البهرمية مع نفس الأشخاص الذين كنت أصلي معهم قبل الحرب."

Jamiʿ al-Bahramiyya, © 2013, Museum für Islamische Kunst, Staatliche Museen zu Berlin - Stiftung Preußischer Kulturbesitz (CC-BY-NC-SA)
Aleppo, al-Bahramiyya mosque, 2013 © Museum für Islamische Kunst, Staatliche Museen zu Berlin - Stiftung Preußischer Kulturbesitz (CC-BY-NC-SA)
© Museum für Islamische Kunst, Staatliche Museen zu Berlin, Sammlung Stefan Weber (CC-BY-NC-SA)Aleppo, al-Bahramiyya mosque, Inside the prayer hall with the prayer niche © Museum für Islamische Kunst, Staatliche Museen zu Berlin, collection Stefan Weber (CC-BY-NC-SA)
اكتشفوا المزيد من الذكريات من حلب

أصداء الحب والفقدان: ذكريات قلعة حلب

قلعة حلب ليست مجرد معلم تاريخي ولكنها أيضًا مكان للذكريات والحب والهوية للعديد من السوريين. هذه قصة تجارب امرأة شابة وذكرياتها مع القلعة، من أحلام الطفولة إلى الوقوع في الحب وتأثير الحرب.

View to the east © Peter Heiske (CC-BY-NC-ND)

اكتشاف تراث حلب الروحي: طقوس الزاوية الهلالية

هذه ذكرى من حلب عن تجربة شخصية لامرأة في الزاوية الهلالية، مكان صلاة صوفي في حلب يعود تاريخه إلى ٨٠٠ عام.

Az-Zawiya al-Hilaliyya, wooden cells inside the prayer hall's iwan

حياكة خيوط التاريخ: قصة خان الوزير

هذه الذكرى هي رحلة شخصية عبر خان الوزير بحلب لتاجر نسيج نشأ وعمل في المركز التجاري التاريخي، وهي تستكشف ذكريات بولص وخبراته عن الخان وآماله في ترميمه في المستقبل.

Aleppo, Photos © Jürgen Rese (CC-BY-NC-SA)

عبق أهل الخير: ذكريات جامع العادلية

يروي عمر عبد الوهاب قطاع في شهادته هذه قصّة علاقته الشخصية مع جامع العادلية في حلب والذي يحمل قيمًة تاريخية ودينية لأهالي حلب.

Jamiʿ al-ʿAdiliyya © Andreas Beckermann (CC-BY-NC-SA)

ترميم ساعة باب الفرج

هذه ذكرى من حلب عن افتتان صبي صغير بساعة برج باب الفرج المعطّلة وأحلامه في إصلاحها.

© Jean-Claude David (CC-BY-NC-ND)