© Jaber al-Azmeh (CC-BY-NC-ND)Aleppo Citadel's walls and slightly hilly limestone plateau © Jaber al-Azmeh (CC-BY-NC-ND)

ذكريات من حلب: نارين

أصداء الحب والفقدان

ذكريات قلعة حلب

عن السلسلة

نعرض لكم في هذه السلسلة قصصًا شخصية لأماكن (معالم تاريخية) في مدينة حلب، يرويها أشخاص تربطهم علاقة وطيدة بالمكان. تهدف هذه السلسلة إلى تسليط الضوء على الجانب الغير المادي للأماكن التراثية في حلب، وإلى إيصال فكرة إدراج الذاكرة في إعادة تصور وإعادة بناء مكان من خلال سكّانه.

تمثّل هذه المساهمات جزءًا من الجهود المشتركة التي يبذلها مشروع خارطة التراث السوري التفاعلية مع مشروع دليل تراث حلب بهدف توثيق تاريخ وعمارة معالم تاريخية في مدينة حلب.

قلعة حلب، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ليست مجرد معلم تاريخي ولكنها أيضًا مكان للذكريات والحب والهوية للعديد من السوريين. هذا بيان لتجارب امرأة شابة وذكرياتها مع القلعة، من أحلام الطفولة إلى الوقوع في الحب وتأثير الحرب.

أحلام الطفولة وتاريخ الأسرة

رغم نشأتها في منطقة الجزيرة فإن نارين كانت تتجّه دائمًا إلى قلعة حلب، وهي قلعة قروسطية وواحدة من أكثر المعالم شهرةً في المدينة. أثناء الرحلات العائلية إلى حلب خلال العطلات الصيفية كانت العائلة تبدأ الرحلة دائمًا بزيارة القلعة. انتقلت العائلة إلى حلب عندما كانت نارين في سن الثالثة عشرة من عمرها.

"عشت في منطقة الجزيرة...

...(شمال شرق سورية) عندما كنت صغيرة. اعتدت الذهاب إلى حلب لقضاء العطلات الصيفية حيث كانت زيارتنا تبدأ دائمًا حول القلعة. لا أدري لماذا كنت أشعر بذلك الشعور بالضبط ولكني كنت أقول دائمًا لأمي أن هذه القلعة ستكون منزلي في المستقبل. عندما كان عمري ١٣ عامًا انتقلنا أخيرًا إلى حلب. غالبًا ما كنت أطلب من والدي أن يأخذني إلى القلعة وكنا نتجوّل حولها عادة في المساء ". 

© Mazhar Ranne (CC-BY-NC-ND)
Evening view of Aleppo Citadel © Mazhar Ranne (CC-BY-NC-ND)

اكتشاف الأصل والانتماء

خلال إحدى هذه الزيارات روى أحد الأقارب جزءًا من تاريخ العائلة أضاف مستوً جديدًا من المعنى فيما يخصّ ارتباط نارين بالقلعة. من خلال هذه المعلومة الجديدة شعرت نارين بإحساسٍ أعمق بالانتماء إلى المكان الذي استحوذ على خيالها دائمًا.

أنا أنتمي إلى هذا المكان!

"ذات يوم، زارنا أحد أقاربنا وبدأ يخبرنا أن أحد أسلافنا (أو جدّنا السابع) هو الذي بنى جدران القلعة. وكان يُدعى" ذو اللحية الحمراء ". أخيرًا، كان هناك دليل حقيقي على انتمائي لهذا المكان! "

الوقوع في الحب في القلعة

كطالبة ، سنحت لنارين أخيرًا الفرصة لاستكشاف المناطق الداخلية من القلعة أثناء الرحلات المدرسية. تتضمن بعض ذكرياتها العزيزة التجوّل حول القلعة في الليل، والاستمتاع بالهدوء ورائحة المطر. وقد وقعت في الحب للمرة الأولى خلال إحدى رحلاتها إلى القلعة.

"زيارتي الأولى داخل القلعة ...

... كانت عندما كنت في الصف العاشر، خلال رحلة مدرسية. كانت مثل حلم تحقّق. تركت زملائي في الصفّ وبدأت في اكتشاف ما يحيط بي حجرًا بحجر. انضممت إلى المجموعة مرة أخرى في الكافتيريا التي دُمِّرت بالكامل للأسف الآن.

كنت دائما أزور القلعة برفقة أصدقائي. أشعر بأن جميع أصدقائي الحقيقيين هم الأشخاص الذين أتشارك معهم أكثر الذكريات في القلعة. سافرت صديقتي المقرّبة إلى أمريكا بسبب الحرب، وأذكر دائما جولتنا عندما كنا نتوجّه من الجامع الأموي باتجاه القلعة مرورًا بمطعم بيرويا ثم مدرسة الشيباني. كنت أخبرها دائمًا بأنني أحب التجول في حلب ليلًا حيث الهدوء، ولكنها كانت تخاف من الظلام والجو الماطر. رائحة المطر مميزة والجو بارد جميل وهادئ تمامًا، ولا يوجد أي إنسان يمشي حول القلعة. تلك الحالة هي قمّة السعادة بالنسبة لي.

كانت تسأل: "لماذا تحبّين حلب في الليل؟"

أجبتها: "لا يوجد أي شيء يشتّت أفكاري عند القلعة، مشهدها مع الغيوم الرمادية والمطر شيء مذهل".

© Jürgen Rese (CC-BY-NC-SA)
Aleppo Citadel © Jürgen Rese (CC-BY-NC-SA)

"أهم ذكرياتي هناك هي الوقوع في الحب ...

... في القلعة. التقيت في العمل بشخص أدرك بسرعة مدى إعجابي بحلب وقلعتها وقرّر أن يفصح عن حبه لي في مقهى يطل على القلعة. كان يعلم مدى الطاقة الإيجابية التي يجلبها لي هذا المكان. أتذكر أنها كانت ليلة جميلة ذات سماء صافية و نجوم لامعة يضمّنا فيها نسيم بداية الربيع البارد، كان الجو رائعًا وكان المكان مليئًا بالناس المبتهجين الذين يستمتعون بالطقس اللطيف مع الموسيقى. في كل مرة كنا نتشاجر أو نختلف بشأن شيء ما، كنا نأتي دائمًا إلى القلعة لمناقشة واتخاذ القرارات. لم تدم علاقة الحب بيننا لكنها كانت خاصة جدًا.

هذه القلعة هي بيتي. إنها جزء من هويتي حيث لدي أجمل الذكريات فيها. لقد تطوّر جزء من شخصيتي وشخصي حولها ".

© Jürgen Rese (CC-BY-NC-SA)
Aleppo Citadel © Jürgen Rese (CC-BY-NC-SA)

الحرب والفقدان

لسوء الحظ ، كان للصراع المسلح في سورية ...

... تأثير مدمر على قلعة حلب، مثلما فعل مع العديد من المواقع التاريخية والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد. شهدت نارين بشكل مباشر على الدمار وإزهاق الأرواح التي جلبتها الحرب إلى حلب والقلعة. دُمِّرت العديد من المباني، بما في ذلك أجزاء من القلعة، وتضرر منزل نارين الخاص. فقدان الحياة والتراث الثقافي والمجتمع حطّم قلب نارين.

"زرت القلعة ثلاث مرات بعد انتهاء الاشتباكات المسلحة. في الزيارة الأولى كنت في حالة صدمة. حاولت أن أفهم ما حدث. كان الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لي خاصة وأن لدي ذكريات معينة فيها. كنت أتوقّع أن أشمّ رائحة معينة كنت مألوفة لدي لكن تلك الروائح اختفت. كان هناك طاقة سيئة حولها مع إحساس بالتعب والوجع والألم للناس والمكان نفسه. انتابني هناك شعور صعب للغاية وشديد لا أستطيع وصفه. لطالما كنت أشعر بسعادة بالغة للوقوف أمام الحجارة القديمة للقلعة راغبةً في احتضانها إذا استطعت، لكن الآن هذا الأمر بالذات يؤلمني ".

"في زيارتي الثالثة ، بدأت أفهم أن جزءًا من ذاكرتي قد ضاع.

كانت هناك شجرة كبيرة بجوار كافتيريا القلعة، وعندما تحقّق حلمي بزيارة المكان لأول مرة، أردت إحياء ذكرى ذلك التاريخ من خلال نحت الأحرف الأولى من اسم صديقتي واسمي بشكل طفيف على الشجرة. لكن خلال الحرب، فقدنا الكافيتريا والشجرة كذلك، وحتى هذه اللحظة لا زلت أبحث عن مكانهما دون جدوى".

القلعة اليوم: حفظ الذكريات والحب

بالرغم من الدمار ...

...ظلّت نارين ملتزمة بالحفاظ على الذكريات والحب للقلعة ومدينتها. إنها تحاول أن تشارك بقدر الإمكان في مبادرات ترميم القلعة، للحفاظ على الذكريات وحب الماضي حيةً للأجيال القادمة. من خلال مشاركتها، وجدت الأمل والشفاء، لأنها تعمل على تكريم أسلافها وتراث حلب. وهي تأمل من خلال القيام بذلك في بناء مستقبل يمكن أن تزدهر فيه الذكريات والحب، حتى في خضم الصراع والفقدان.

"أنا على استعداد لفعل أي شيء من شأنه أن يساعد القلعة. حاولت التقدم لأعمال تنقيب في القلعة أعلنت عنها مديرية الآثار، حيث كانت لدي بعض الخبرة في هذا المجال. لم أكن محظوظةً بما يكفي للمشاركة. قد يكون أولئك الذين تم اختيارهم للقيام بالمهمة أكثر خبرة من الناحية المهنية ولكن مع ذلك، أحاول بطريقتي الخاصة الحفاظ على القلعة وصيانتها قدر الإمكان، لا سيما من خلال الحفاظ على نظافتها. انزعج كثيرًا عندما أرى أشخاصًا يعبثون بها ولا يهتمون بالحفاظ على المكان نظيفًا، لذلك أطلب من الغرباء التوقف عن إلقاء القمامة على الأرض قائلةً: "ألا يكفي ما حدث للقلعة حتى الآن؟!" ""

The stairs and entrance gate of Aleppo Citadel, 2009 © Andreas Beckermann (CC-BY-NC-SA)

"أتمنى زيادة الوعي العام بتراثنا.

فهو بالأحرى تراث إنساني عالمي كامل. كتب شكسبير عن شهرة حلب كمركز تجاري عالمي على طريق الحرير. تجمع حلب العالم كله وليس السوريين فقط. ألتقط صورًا لجميع زوايا القلعة على الرغم من أنني لست مصورةً محترفة، لكني أواصل إرسال صور القلعة إلى أصدقائي إلى الخارج. لديهم جميعًا هذا الحنين إلى الماضي لأن هذه القلعة جزء من هويتنا وهم يطلبون المزيد من الصور.

سنفقد قيمة قلعتنا إذا لم نعتني بها. يمكننا أن نبدأ بتعليم الناس اعتبار القلعة بيتًا لهم، وبالتالي الحفاظ عليها نظيفة كما يفعلون في منازلهم. آمل أن تكون هناك استراتيجيات موجهّة كاملة لذلك، لإدراك أننا نسير على خطى الحضارات السابقة التي لا تزال تشكّل ما نحن عليه اليوم ".

General view of Aleppo Citadel with the entrance gate and stairs from outside, 2010 © Jaber al-Azmeh (CC-BY-NC-ND)
اكتشفوا المزيد من الذكريات من حلب

ذكريات جامع البهرمية

رواية مؤثرة وشخصية للغاية عن علاقة رجل بمسجد محبوب دمرته الحرب. هذه الذكرى هي تكريم مؤثر لمكان يحمل معنى عميقًا للراوي سامي بهرمي والمجتمع الحلبي.

Aleppo, al-Bahramiyya mosque

ترميم ساعة باب الفرج

هذه ذكرى من حلب عن افتتان صبي صغير بساعة برج باب الفرج المعطّلة وأحلامه في إصلاحها.

© Jean-Claude David (CC-BY-NC-ND)

عبق أهل الخير: ذكريات جامع العادلية

يروي عمر عبد الوهاب قطاع في شهادته هذه قصّة علاقته الشخصية مع جامع العادلية في حلب والذي يحمل قيمًة تاريخية ودينية لأهالي حلب.

Jamiʿ al-ʿAdiliyya © Andreas Beckermann (CC-BY-NC-SA)

حياكة خيوط التاريخ: قصة خان الوزير

هذه الذكرى هي رحلة شخصية عبر خان الوزير بحلب لتاجر نسيج نشأ وعمل في المركز التجاري التاريخي، وهي تستكشف ذكريات بولص وخبراته عن الخان وآماله في ترميمه في المستقبل.

Aleppo, Photos © Jürgen Rese (CC-BY-NC-SA)

اكتشاف تراث حلب الروحي: طقوس الزاوية الهلالية

هذه ذكرى من حلب عن تجربة شخصية لامرأة في الزاوية الهلالية، مكان صلاة صوفي في حلب يعود تاريخه إلى ٨٠٠ عام.

Az-Zawiya al-Hilaliyya, wooden cells inside the prayer hall's iwan