ar
نعرض لكم في هذه السلسلة قصصًا شخصية لأماكن (معالم تاريخية) في مدينة حلب، يرويها أشخاص تربطهم علاقة وطيدة بالمكان. تهدف هذه السلسلة إلى تسليط الضوء على الجانب الغير المادي للأماكن التراثية في حلب، وإلى إيصال فكرة إدراج الذاكرة في إعادة تصور وإعادة بناء مكان من خلال سكّانه.
تمثّل هذه المساهمات جزءًا من الجهود المشتركة التي يبذلها مشروع خارطة التراث السوري التفاعلية مع مشروع دليل تراث حلب بهدف توثيق تاريخ وعمارة معالم تاريخية في مدينة حلب.
هذه ذكرى من حلب عن تجربة شخصية لامرأة في الزاوية الهلالية، مكان صلاة صوفي في حلب يعود تاريخه إلى ٨٠٠ عام.
... بأوابدها التاريخية، بل أيضًا بتراثها الإجتماعي والإنساني. ضمن هذه الاهتمامات تعرفت على الزاوية الهلالية كونها مكانًا لإقامة حلقات الذكر (شعائر صوفية) منذ ثمانمائة عام وحتى الآن. لهذا التقليد الثقافي قيمة بالنسبة لي أكثر من العمارة نفسها، على الرغم من أن عمارة المكان تدلّ على جمالٍ ورهبةٍ فريدين. غرفه المتتابعة لها سحرها الخاص وهيبةُ عظيمة لم أشعر بها في مكانِ آخر. لهذا المكان بعدٌ روحانيٌ عجيب، وعندما زرته لأول مرة ذهلت جدًا بحلقات الذكر المميزة للغاية.
... فسحة داخلية مربعة الشكل، جدرانها ذات كسوة خشبية مذهلة، في محيطها الداخلي يوجد أربعين غرفة خشبية، عشرين غرفة بمستوى الفسحة وعشرين غرفة أخرى بمستوى شرفتها الداخلية. أبعاد الغرفة متر ونصف طولًا ومتر عرضًا وهي مخصصةٌ لشخصٍ واحدٍ ممن يودّون ممارسة أحد طقوس الصوفية المسمّى بالحضرة. يقيم المتصوف في تلك الغرفة بمفرده للتصوف والاعتزال، للوصول لصفاء النفس والتواصل الروحي مع الذات الإلهية، بعيدًأ عن شوائب الحياة، ويُقدّم له طعامه وشرابه بشكل منتظم في مكان عزلته. يقيم فيها لمدة أربعين يومًا ولا يغادرها إلا إذا لزم الأمر.
مورس هذا الطقس في هذا المكان منذ إنشائه ولم يتوقف حتى في خلال فترة الحرب. وهو يشبه عزلة الرهبان كالقديس سمعان العامودي وسواه. مع انتهاء الحضرة وانتهاء الشخص من واجبه الذي تعهد به، يمكنه أخيرًا الاستمتاع بهدوئه الروحي.
يمكن التعرف على آثار هذا التقليد الصوفي في العمارة، فعلى سبيل المثال في ترتيب الغرف وخاصة في عدد الغرف. في الصوفية ، يعتبر الرقم أربعين تاريخيًا رقمًا مقدسًا، حتى قبل ظهور الديانات الإبراهيمية. وهكذا تضم الزاوية الهلالية أربعين غرفة نسبةً لهذا العدد ".
يمارس الذكر في الزاوية الهلالية وفقًا لقواعد تشمل القائد والغناء والتصفيق والترديد ويتميّز باستخدام شعر هام وأداء موسيقي معقّد.
"لحلقات الذكر قواعدها وطقوسها حيث يقود الجلسة الشيخ القائد، يساعده شخصان يرددان معه القصائد والموشحات وتعدد المقامات الآسرة، واثنان آخران يصفقان بأيديهما لضبط الإيقاع. فيكون بطيئًا أو سريعًا حسب الموشح الذي تُردد كلماته، يرتفع الصوت أو ينخفض ليعطي الجو المثالي للحالة. بينما يكتفي باقي الأشخاص المشاركين إما بالاستماع فقط أو الترديد مع المرددين. والجميل بالأمر هو الطقس المميز بموشحاته القديمة والمهمة وذات مستوى موسيقي رفيع. إنه طقس بديع يشارك فيه حتى الأطفال، ولكنّه جوٌ ذكوريٌ لا يُسمح للنساء بالمشاركة به، ولهذا تبقى النساء في الخارج تسترق النظرإلى ما يحدث بالداخل وتعيش الحالة معهم. وتتميز هذه الممارسة هنا بشعر الموشحات القديم والمهم ( المصحوبة بأداء موسيقي عالي المستوى ".
تعتبر الزاوية الهلالية واحدة من سبعة أماكن تقام فيها حلقات الذكر هذه. وهي مستمرة في كونها ملاذًا للعزلة الروحية.
"لأني مهتمةٌ بالتراث الحلبي والموشحات والقدود الحلبية قمت بالسؤال عن الأماكن التي تقام فيها حلقات الذكر واكتشفت أن هناك أكثر من سبع زوايا في حلب تقام فيها حلقات الذكر حيث تعتبر الزاوية الهلالية أشهرها وأقدمها، ولهذا السبب بدأت بالتردد على هذا المكان."
... الذي درس الطب ومارسه كطبيب في ألمانيا، ولمّا توفي والده الذي كان قائداً لحلقات الذكر ترك عمله من ألمانيا وعاد ليستلم الزاوية ويقوم بمقام والده، إذ أن مهمة صاحب الزاوية تُنتقل بالتوارث في عائلته. طلبت منه بالدخول وأعربت عن الرغبة في حضور واحدة من حلقات الذكر فأجابني بأنه لا يسمح للنساء الدخول. بالرغم من عدم وجود نص قرآني يمنع النساء من ذلك، يتمّ التمسّك بالعادات المتبعة. وأجاب أنه لن يجعل حلقات الذكر مختلطة لأن طابعها وتاريخها ذكوري، رغم تأكيده لي بأن ذلك ممكن منطقيًا. تقام حلقات الذكر كل يوم جمعة بعد صلاة العصر وتستمر لمدة ساعتين تقريباً. هذا المكان يحمل تراثًا قديمًا من الثقافة الحلبية ."
... بداية عام ٢٠١٩ وبعد غياب طويل، كنت أتجوّل في منطقة الجلوم في عصر يوم الجمعة حين سمعت صوتًا إيقاعيًا رتيبًا يردّد كلمات الله… الله… الله… الله… تبعت مصدر الصوت من حارةٍ لأخرى لأجد نفسي فجأة أمام الزاوية الهلالية. لقد شاهدت جلسات الذكر عدة مرات من إحدى النوافذ. ولكني كنت قد نسيت مكانها بالضبط ولكن الصوت هو الذي شدّني إليها مجدداً. أشجع كل إنسان على المشاركة في تلك الحلقات، لأن المكان ساحرٌ للغاية بشكلٍ يفوق التصوّر أو الوصف.
الزاوية الهلالية لها قيمة تاريخية كبيرة، لأن حلقات الذكر لم تتوقف فيها مطلقًا بالرغم من الحرب، وبقيت تقام باستمرار كل يوم جمعة! لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار الأشخاص المشاركين في الشعائر في هذا المكان متطرفين دينيًا! أنا شغوفة بالموروث الموسيقي الغني جدًا والفريد الذي يقام فيها، والأشخاص الذين تركوا أثرًا فنيًا فيها من أمثال بكري الكردي وعمر البطش والشيخ حسن الحفار.
تحمل الزاوية الهلالية تراثًا قديمًا من الثقافة الحلبية. على الرغم من عدم السماح للنساء بدخول حلقات الذكر إلا أن ربى لا تزال توصي بشدّة بحضور هذه الشعائر.
"لم يتأثّر المكان كثيرًا أثناء الحرب، ولم تؤثّر إزالة القبور في الباحة الخارجية على مسار حلقات الذكر الأسبوعية التي تقام فيها. ما زال المكان موجود والطقوس الرائعة مستمرة، وعندما يكون لديك الرغبة في حضور إحدى الحلقات فالموعد ثابت وحضورها ممكن. وحتى لو كان مكان الجلوس الوحيد المتاح هو الدرج فإن لهذا قيمة كبيرة لي. قمت بتعريف أغلب صديقاتي على الزاوية الهلالية، ومنهم صديقة لبنانية وهي مسيحية من جنوب لبنان. عندما زرنا الزاوية وضعت الحجاب على رأسها وجلست على إحدى الدرجات معي، وبدأت صديقتي بسماع هدير صوت الرجال. بالتركيز على الأصوات دخلت في عالم الروحانيات، في حالة تشبه الغياب عن الجسد كما يحدث للرجال في داخل الزاوية.
ستبهرك الأصالة العميقة لهذه الطقس. يوم الجمعة عندما ترى الرجال خارجين من المسجد بعد الصلاة يرتدون الجلابيات البيضاء وتفوح منهم رائحة ماء الورد والمسك والعنبر، وبوجود الشيخ القائد تشعر بالاحترام العميق والنظام السائد في هذا المكان.
أنا متفائلة بطريقة ما بعد انتهاء الحرب. أفرح بمن يرمّم ولا يحزن على الدمار. وجهة نظري للوضع مشرقة، فقد سررت للغاية عندما علمت أن المكان لم يتم هدمه وأن الطقوس ما زالت قائمة. أرى الأمور بشكل مختلف مع هذه الممارسة الحلبية الأنيقة، ووجود أطفال وصبية وكبار يحفظون الموشحات القادمة من أصول قديمة غير معروفة ".
هذه الذكرى هي رحلة شخصية عبر خان الوزير بحلب لتاجر نسيج نشأ وعمل في المركز التجاري التاريخي، وهي تستكشف ذكريات بولص وخبراته عن الخان وآماله في ترميمه في المستقبل.
قلعة حلب ليست مجرد معلم تاريخي ولكنها أيضًا مكان للذكريات والحب والهوية للعديد من السوريين. هذه قصة تجارب امرأة شابة وذكرياتها مع القلعة، من أحلام الطفولة إلى الوقوع في الحب وتأثير الحرب.
هذه ذكرى من حلب عن افتتان صبي صغير بساعة برج باب الفرج المعطّلة وأحلامه في إصلاحها.
رواية مؤثرة وشخصية للغاية عن علاقة رجل بمسجد محبوب دمرته الحرب. هذه الذكرى هي تكريم مؤثر لمكان يحمل معنى عميقًا للراوي سامي بهرمي والمجتمع الحلبي.
يروي عمر عبد الوهاب قطاع في شهادته هذه قصّة علاقته الشخصية مع جامع العادلية في حلب والذي يحمل قيمًة تاريخية ودينية لأهالي حلب.